في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛
الرئيس بزشكيان يعتبر العدوان على إيران خيانة للدبلوماسية والسلام ويؤكد أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالقوة
اعتبر رئيس الجمهورية الهجمات العسكرية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني ضد إيران، خيانة كبرى للدبلوماسية والسلام، مؤكداً في الوقت نفسه إدانته للإبادة الجماعية في غزة ولمشروع إسرائيل الكبرى، ومشدداً على أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالقوة، بل عبر بناء الثقة والتعاون الإقليمي والاحترام المتبادل.
صرّح رئيس الجمهورية الدكتور مسعود بزشكيان، في كلمة أمام الدورة السنوية الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة لشرح مواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، صباح اليوم الأربعاء بالتوقيت المحلي لمدينة نيويورك، بأن الدول الغربية أقدمت على تدمير الاتفاق النووي الذي كانت تعتبره أعظم إنجاز للدبلوماسية المتعددة الأطراف.
وأكد الرئيس بزشكيان أن "هذا الإجراء غير القانوني، الذي واجه معارضة بعض أعضاء مجلس الأمن أيضاً، يفتقر إلى الشرعية الدولية ولن يحظى بقبول المجتمع الدولي"، مضيفاً أنه "مرة أخرى، أعلن في هذه الجمعية أن إيران لم ولن تسعى أبداً إلى صنع قنبلة نووية."
وفيما يلي نص كلمة رئيس الجمهورية:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الأمين العام؛
السيدة الرئيسة؛
السادة المندوبون الموقرون؛
السيدات والسادة؛
شعار هذا العام، "ثمانون عاماً وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان"، هو في الواقع دعوة للتضامن ولرؤية مشتركة إلى مستقبل أكثر إشراقًا. إن معتقدنا وإيماننا الديني ودعوة جميع الأنبياء مبنية على مساواة حقوق جميع البشر. إن ما يجعل الإنسان أكثر استحقاقاً هو التقوى، أي الصدق والحكمة والطهارة وحبّ الغير.
إن أساس جميع الأديان الإلهية والضمير الإنساني هو القاعدة الذهبية القائلة: "ما لا ترضاه لنفسك، لا ترضاه للآخرين".
وقال السيد المسيح (عليه السلام): عاملوا الآخرين كما تحبون أن تُعامَلوا.
وقال سيد المسيح (عليه السلام): كما تحبّون أن معكم.
وقال نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم): لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه.
وعبّر الحكيم هيليل عن جوهر التوراة بقوله: ما تكرهه لنفسك، لا تفعله للآخرين.
وفي التقاليد الشرقية، فإنّ التعاليم المركزية تقوم على نفس هذا المبدأ.
كما أنّ المدارس الأخلاقية العلمانية، وصلت إلى النتيجة نفسها، عبر العقلانية القائمة على الضمير.
أيها السادة؛
هل عالمنا هكذا؟ لننظر إلى العامين الماضيين:
في العامين الماضيين، كان العالم:
شاهداً على الإبادة الجماعية في غزة،
شاهداً على تدمير المنازل والانتهاكات المتكررة للسيادة وسلامة الأراضي في لبنان،
شاهداً على تدمير البنى التحتية في سوريا،
شاهداً على الهجوم على الشعب اليمني،
شاهداً على تجويع للأطفال الهزيلين في أحضان أمهاتهم،
وشاهداً على الهجوم الخفي على حق سيادة الدول، والاعتداء على سلامة أراضي الحكومات، والاستهداف السافر لقادة الشعوب،
وكل هذا بدعم كامل من أكثر الحكومات تسليحاً في العالم، وبذريعة الدفاع عن النفس!
هل ترضون بهذا لأنفسكم؟
من الذي يزعزع استقرار المنطقة والعالم؟
ومن الذي يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين؟
إن الغارات الجوية التي شنّها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية على المدن والمنازل والبنى التحتية في إيران - وذلك تماماً في الوقت الذي كنا نسير فيه على طريق المفاوضات الدبلوماسية - كانت خيانة عظمى للدبلوماسية وتقويضاً للجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار والسلام. إن هذا العدوان السافر، بالإضافة إلى استشهاد عدد من القادة والمواطنين والأطفال والنساء والعلماء والنخب العلمية في البلاد، وجّه ضربةً قاصمة للثقة الدولية وآفاق السلام في المنطقة.
إن ما يمكنكم رؤيته من هذا القتل والجريمة، هو مذبحة للأطفال والنساء، وفي الحقيقة كتاب عن المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل في بلادنا بحق جميع البشر، رجالاً ونساءً وأطفالاً وشباباً. أي أن هذه الأعمال، التي تمت باسم الهدوء والسلام في البلاد والمنطقة، خلقت عدم الاستقرار في بلادهم، وبهذا النهج أيضاً قتلوا 65 ألف إنسان بريء في غزة، ودمروا منازلهم والمستشفيات والمشافي والمدارس، وقطعوا عن الناس الماء والغذاء والخبز والدواء.
إذا لم نقف في مواجهة هذه الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف، فإنّ هذه البدع ستطال العالم بأسره؛
الهجوم على المنشآت النووية الخاضعة للضمانات والمراقبة الدولية،
والمحاولة العلنية لاغتيال القادة والمسؤولين الرسميين للدول الأعضاء في الأمم المتحدة،
والاستهداف الممنهج للصحفيين والإعلاميين،
وقتل الأشخاص الذين يصبحون "أهدافاً عسكرية" لمجرد علمهم وتخصّصهم.
هل ترضون بهذه الأمور لأنفسكم؟
ليعلم مرتكبو هذه الجرائم أن إيران، أقدم حضارة مستمرة في العالم، لطالما وقفت صامدة أمام عواصف التاريخ. إن هذا الشعب، بروح عظيمة وإرادة خالدة، أثبت مراراً أنها لا تنحني أمام الغزاة، واليوم أيضاً نقف شامخين أمام المعتدين، معتمدين على قوة الإيمان والتلاحم الوطني.
وفي معركة الدفاع التي استمرت 12 يوماً، أظهر الشعب الإيراني المحبّ لوطنه والشجاع للمعتدين الأنانيين حساباتهم الوهمية. لقد عزّز أعداء إيران، دون قصد، الوحدة الوطنية المقدسة. ورغم أشد وأطول وأقسى العقوبات الاقتصادية، والحرب النفسية والإعلامية، ومحاولات التفرقة المستمرة، وقف الشعب الإيراني، بمجرّد إطلاق الرصاصة الأولى على أرضه، موحّداً خلف قواته المسلحة الباسلة، ولا يزال دماء شهدائه حتى اليوم.
أود هنا، باسم الشعب الإيراني، أن أتقدّم بخالص الشكر لجميع الشخصيات والشعوب والحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية التي تضامنت مع إيران في هذه الحرب.
السيدات والسادة؛
اليوم، وبعد ما يقارب العامين من الإبادة الجماعية والتجويع الجماعي واستمرار نظام الفصل العنصري داخل الأراضي المحتلة والعدوان على الجيران، يُطرح وبوقاحة من أعلى مستويات هذا الكيان، مشروع "إسرائيل الكبرى" السخيف والمتوهم.
ويشمل هذا المشروع العديد من الأراضي في المنطقة. وتُظهر هذه الخريطة الأهداف والنوايا الحقيقية للكيان الصهيوني، التي أقرّها رئيس وزرائه مؤخراً. لا أحد في العالم بمنأى عن النوايا العدوانية لهذا الكيان.
من المؤكد أن الكيان الصهيوني وداعميه لم يعودوا يكتفون بالتطبيع السياسي؛ بل يفرضون وجودهم بالقوة الصارخة، وأطلقوا عليه اسم «السلام عبر القوة»؛ لكن هذا ليس سلاماً ولا قوة، بل هو عدوان قائم على التنمر والبطش.
لكننا، نريد إيراننا القوية جنباً إلى جنب مع جيران أقوياء وفي منطقة قوية، بمستقبل مشرق.
وفي مواجهة المشروع الضخم الذي يفرض الإبادة والدمار وعدم الاستقرار على المنطقة، نحن ندافع عن رؤية مشتركة ومتفائلة؛
رؤية تضمن الأمن الجماعي عبر آليات حقيقية للتعاون الدفاعي والاستجابة المشتركة للتهديدات،
رؤية تحترم الكرامة الإنسانية والتنوع الثقافي باعتبارها قيماً أساسية،
رؤية تُحول التنمية الجماعية إلى حقيقة من خلال الاستثمار المشترك في البنى التحتية والمعارف الحديثة،
رؤية ترى أمن الطاقة والاستفادة العادلة من الموارد الحيوية ركيزتين أساسيتين للاستقرار الاقتصادي،
رؤية تحمي البيئة للأجيال القادمة،
رؤية تجعل السيادة الوطنية وسلامة أراضي الدول من المبادئ غير القابلة للتفاوض،
رؤية لا تسعى للسلام القائم على القوة، بل تقوم على أساس "القوة من خلال السلام".
السيدات والسادة؛
في هذه المنطقة القوية، لا مكان للقتل وسفك الدماء. ولذلك، لطالما كانت بلادي من أشدّ المؤيدين لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، إلا أن أولئك الذين يمتلكون أكبر ترسانات نووية، وفي انتهاك صارخ لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT)، يزيدون أسلحتهم فتكاً ودماراً يوماً بعد يوم، لطالما عرضوا شعبنا لضغوط عبر اتهامات واهية.
وخلال الأسبوع الماضي، فإن الدول الأوروبية الثلاث، وبعد فشلها في إرغام شعب إيران الشامخ على الركوع عبر خرق العهود لعشر سنوات، ومن ثم دعم العدوان العسكري، حاولت بأمر من الولايات المتحدة، إعادة القرارات الملغاة لمجلس الأمن ضد إيران، من خلال الضغط والتنمر والإملاء والاستغلال الصارخ.
وفي هذا المسار؛
وضعوا حسن النية جانباً،
وتجاوزوا المتطلبات القانونية،
وصوّروا الإجراءات التعويضية القانونية لإيران رداً على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وخرق أوروبا للعهود وعجزها المطلق، على أنها "انتهاكات جسيمة"،
وقدموا أنفسهم زوراً على أنهم "الأطراف ذات السجل الحسن" في الاتفاق، ووصفوا جهود إيران الصادقة بأنها "غير كافية".
وكان كل هذا لتدمير الاتفاق النووي نفسه الذي كانوا يعتبرونه أعظم إنجاز للدبلوماسية المتعددة الأطراف.
هذا الإجراء غير القانوني، الذي واجه معارضة بعض أعضاء مجلس الأمن أيضاً، يفتقر إلى الشرعية الدولية ولن يحظى بقبول المجتمع الدولي.
مرة أخرى، أعلن في هذه الجمعية أن إيران لم ولن تسعى أبداً إلى صنع السلاح النووي. نحن لا نسعى لامتلاك السلاح النووي، وهذا اعتقاد ديني وفتوى قائد الثورة، وبناءً عليه، فإننا لم ولن نسعى أبداً لامتلاك أسلحة الدمار الشامل تلك. في حين أن إسرائيل هي المزعزعة للسلام في المنطقة، هل يجب فرض العقوبات على إيران؟ لدينا قصيدة تقول: "حداد في بلخ ارتكب ذنباً، ونحاس في شوشتر قُطع رأسه". شخص ما في مكان آخر يُزعزع استقرار المنطقة، بينما يفرضون العقوبات على اشخاص آخرين.
السيدات والسادة؛
تُرحّب الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالسلام والاستقرار. نحن نؤمن بأن مستقبل المنطقة والعالم يجب أن يُبنى على التعاون والثقة والتنمية المشتركة، وفي هذا الإطار:
تدعم إيران عملية السلام بين جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا،
تأمل إيران أن تؤدي الجهود الرامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا إلى اتفاق عادل ومستدام بين روسيا وأوكرانيا،
تُرحّب إيران بالمعاهدة الدفاعية بين البلدين الشقيقتن والمسلمين، المملكة العربية السعودية وباكستان، باعتبارها بداية لمنظومة الأمن الإقليمي الشامل بالتعاون مع الدول الإسلامية في غرب آسيا في المجالات السياسية والأمنية والدفاعية،
وأخيراً، نُدين العدوان الإجرامي للكيان الإسرائيلي على قطر، والذي أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين الفلسطينيين والقطريين، ونعلن دعمنا وتضامننا مع حكومة وشعب قطر.
السيدات والسادة؛
الأمن الحقيقي لا يتحقق بالقوة، بل من خلال بناء الثقة، والاحترام المتبادل، والتكامل الإقليمي، وتعددية الأطراف القائمة على القانون الدولي. وعلى هذا الأساس، أدعو الجميع إلى:
ممارسة "الاستماع" لبعضنا البعض بدلاً من رفع الأصوات،
إعادة النظر في المبادئ الفكرية للاستقطاب الثنائي والعنف السياسي الذي لا يؤرق المجتمع الدولي اليوم فحسب، بل أدى أيضاً إلى التوتر والفوضى داخل المجتمعات،
باعتباره القاسم المشترك لجميع المعتقدات والثقافات، وبدلاً من التفسير المتحيز للمفاهيم والروايات، ألا نرضى للآخرين ما لا نرضاه لأنفسنا،
إصلاح واستعادة مصداقية مؤسسات وآليات القانون الدولي،
والالتزام بإنشاء منظومة للأمن والتعاون الإقليميين في غرب آسيا.
السيدات والسادة؛
لقد نشرنا نحن الإيرانيون قوتنا في العالم؛
ليس بصنع واستخدام السلاح النووي، وقتل مئات الآلاف من البشر في القرن العشرين، والإبادة الجماعية وتجويع أطفال غزة في القرن الحادي والعشرين،
ولا حتى في الإمبراطوريات التاريخية لإيران،
بل بثقافة حبّ الغير ورسالة التعاطف لفاتحي العالم من أمثال مولوي وحافظ، والأشعار التي أنشدها سعدي قبل 800 عام:
الناس كالأعضاء في التساند / لخلقهم كنه من طين واحد
إذا اشتكى عضو تداعى للسهر / بقية الأعضاء حتى يستقر
إن لم تغم لمصاب الناس / فلست إنسانا بذا القياس
إن المجرمين الذين يتنمرون بقتل الأطفال، لا يستحقون أن يُسمّوا بشراً، وبالتأكيد لن يكونوا شركاء موثوقين.
إن إيران، باعتمادها على تقليدها العريق في حبّ الغير، شريك ثابت ورفيق موثوق لجميع الدول الداعية للسلام؛ صداقة وشراكة لا تقومان على المصالح العابرة، بل على الكرامة والثقة ومستقبل مشترك.
نحن أبناء إيران الشامخون، تغلبنا وسنتغلب على الظلم والتمييز والمعايير المزدوجة بفخر، عبر تصدينا للمتمردين الخارجين عن القانون، واليوم، ومن منظور قائم على الفرص، حوّلنا هذا الإنجاز التاريخي للشعب الإيراني إلى منصة للانطلاق نحو مستقبل واعد.
فلنخلق معاً الفرص من التهديدات.
شكراً لكم.