الإمام خامنئی: جهاد الرجال فی فلسطین ولبنان أعاد الکیان الصهیونی 70 سنة إلى الوراء
ألقى الإمام خامنئی خطبة باللغة العربیّة خلال مراسم تأبین سماحة الشهید السید حسن نصرالله وصلاة الجمعة التی أقیمت فی العاصمة طهران.
و فیما یلی النص الکامل للخطبة:
بسم الله الرحمن الرحیم
والحَمدُللهِ رَبِّ العَالَمین، أحمَدُهُ وأستَعینُهُ، وأستَغفِرُهُ وأتوکّلُ عَلیه، وأُصَلّی وأسلّمُ على حَبیبِهِ الرّسولِ الأعظم، سیّدنا محمّدٍ المصطفى (ص) وآلهِ الطّاهرینَ، لا سیّما على أمیر المؤمنین، وحبیبته الزّهراء المرضیّة، والحسنِ والحسینِ سیّدَی شبابِ أهلِ الجنّة، وعلیّ بن الحسین زین العابدین، ومحمّدٍ بن علیٍّ باقرِ علمِ الأوّلینَ والآخرین، وجعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادق، وموسى بن جعفرٍ الکاظم، وعلیّ بن موسى الرّضا، ومحمّدِ بن علیٍّ الجواد، وعلیِّ بنِ محمّدٍ الهادی، والحسنِ بن علیٍّ الزکیِّ العسکریّ، والحجّةِ بن الحسنِ القائمِ المهدیّ، صلواتُ اللهِ علیهِم أجمَعین، وأُسلِّمُ على صَحبِهِ المُنتَجَبینَ ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى یومِ الدّین، وعلى حُماةِ المُستضعَفینَ ووُلاةِ المؤمِنین.
ارتأیتُ أن یکونَ تَکریمُ أخی وعزیزی ومَبعَثُ افتِخاری والشّخصیّةُ المحبوبةُ فی العالمِ الإسلامی، واللسانُ البلیغُ لشعوبِ المنطقة، ودُرّةُ لُبنانَ السّاطِعَةُ، سَماحَةُ السیّد حَسن نصرالله، رضوان الله تعالى علیه، فی صلاةِ جُمعةِ طَهران، وسأتطرّقُ أیضًا لبعضِ النّقاط.
هذا الخطابُ موجّهٌ للأمّةِ الإسلامیّةِ جَمعاء، إلّا أنّهُ موجّهٌ بشکلٍ خَاصٍّ إلى الشّعبَینِ العَزیزَین اللُّبنانیّ والفلسطینی. نحنُ جمیعًا مصابونَ ومَکلومونَ بِشهادة السیّدِ العزیز، إنّهُ لفِقدانٌ کبیر، ولقد أفجعَنا بکلِّ معنى الکلمة. غیرَ أنَّ عزاءَنا لا یَعنی الاکتئابَ والیأسَ والاضطراب، بل هو من سِنخ عزائِنا على سیّدِ الشهداءِ الحسین بن علیّ علیه السلام؛ یبعثُ الحیاة، ویُلهمُ الدّروس، ویوقدُ العزائم، ویضخّ الآمال.
لقد غادرَنا السیّد حسن نصرالله بجسده، لکنَّ شخصیّتَهُ الحقیقیّةَ؛ رُوحَهُ، ونَهجَهُ، وصوتَهُ الصّادحَ، سَتبقى حاضرةً فینا أبدًا. لقد کان الرایةَ الرفیعةَ للمقاومةَ فی وجه الشیاطین الجائرینَ والناهبین، وکان اللسانَ البلیغَ للمظلومینَ والمدافعَ الشّجاعَ عنهم، کما کانَ للمناضلینَ على طریقِ الحقّ سندًا ومشجّعًا، لقَد تخطّى نطاقُ شعبیّته وتأثیرُهُ حدودَ لبنانَ وإیرانَ والبلدانَ العربیّة، وستُعزّزُ شهادَتُه الآن مدى هذا التأثیر.
إنّ أهمّ رسائلِهِ قولًا وعملًا، فی حیاتِهِ الدنیویّة، لکم یا شعبَ لبنانَ الوفیّ، کانت ألّا یساورَکُم یأسٌ واضطرابٌ بغیابِ شخصیّاتٍ بارزَةٍ مثلِ الإمام موسى الصدر والسیّد عبّاس الموسوی، وألّا یصیبَکُم تردیدٌ فی مسیرةِ نضالِکُم. ضاعِفوا مَساعیَکُم وقُدُراتِکُم، وعزّزوا تَلاحُمَکُم، وقاوموا العدوَّ المُعتَدی وأفشِلوهُ بتَرسیخِ إیمانِکُم وتوکّلِکُم.
أعزّائی، یا شعبَ لبنانَ الوفی، یا شبابَ حزبِ الله وحرکة أمل المُفعَمَ بالحماسَة! یا أبنائی، هذا أیضًا طلبُ سیّدنا الشهید الیوم من شعبه وجبهة المقاومة والأمّة الإسلامیّة جَمعاء.
العدوّ الخبیثُ الجبانُ، إذ عجزَ عن توجیه ضربة مؤثّرة للبنیة المتماسکة لحزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامی وغیرها من الحرکات المجاهدة فی سبیل الله، عَمَدَ إلى التظاهر بالنّصرِ من خلال الاغتیالات والتدمیر والقصف وقتل المدنیّینَ وحرق قلوبهم.
لکن ما هی النتیجة؟ ما نجمَ عن هذا السلوک هو تراکمُ الغضب وتصاعدُ دوافعِ المقاومةِ، وظهورُ المزیدِ من الرجالِ والقادةِ والمضحّین، وتضییقُ الخناق على الذئب الدّموی، وبالتالی، إزالةُ الکیان الملطّخ بالعارِ من ساحةِ الوجود، إن شاء الله.
أیّها الأعزّة، القلوبُ المفجوعةُ تستلهمُ السکینةَ بذکر الله وطلب النّصرة منه. الدّمارُ سیُعوَّض، وصَبرُکم وثباتُکم سیُثمر عزّةً وکرامةً.
لقد کانَ السیّدُ العزیزُ طوالَ ثلاثینَ عامًا على رأسِ کِفاح شاقّ، وارتقى بحزب الله خطوةً بخطوة: {کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِیمًا} (الفتح، 29).
بتدبیرِ السیّد نما حزب الله مرحلةً بمرحلة، بصبرٍ وبنحو منطقیّ وطبیعی، وأبرزَ آثارَهُ الوجودیّةَ أمامَ أعدائهِ فی المراحلِ المختلفةِ عَبرَ دَحرِ العدوِّ الصَّهیونی {تُؤْتِی أُکُلَهَا کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (إبراهیم، شطر من الآیة 26).
حزب الله هو حقًّا شجرةٌ طیّبة، حزب الله وقائدُهُ الشهیدُ البطلُ هو عصارةُ فضائلِ لبنانَ فی تاریخِهِ وهُویَّتِه.
نحن الإیرانیّون قَد عرفنا منذُ زمنٍ بعیدٍ لبنانَ وفَضائِلَه، فقد أغدقَ عُلماءُ لبنانیّونَ من فیض علمهم على إیران فی العَهدین السّربِداری والصّفوِیّ خلال القرنِ الثامنِ والعاشرِ والحادی عَشرَ للهجرة، ومِنهُم محمّدُ بنِ مکّیٍّ العاملیُّ الشهید، وعلیُّ بنُ عَبدِالعَالِ الکَرکی، وزینُ الدینِ العامِلِیُّ الشهید، والحسینُ بنُ عبدِالصّمَدِ العَامِلِی، وابنُه بَهاءُ الدّینِ المَعروفُ بالشَّیخِ البَهائِیّ وغَیرُهُم مِن رِجالِ الدّینِ والعِلم.
أداءُ الدّینِ للُبنانَ الجَریحِ المُدمَى هو واجبُنا وواجبُ المسلمینَ جمیعًا. حزب الله والسیّدُ الشهیدُ بدفاعهِم عن غَزّةَ، وجهادهم من أجل المسجدِ الأقصى، وإنزالهِم الضربةَ بالکیانِ الغاصبِ والظالم، قد خَطوا خطوةً فی سبیل خدمة مصیریّة للمَنطِقَةِ بأکملِها، والعالم الإسلامیکلّه. إنّ ترکیزَ أمریکا وأذرُعِها على حِفظِ أَمنِ الکِیانِ الغاصبِ لیسَ سوى غطاءٍ لسیاستِهم المُتبدّدة القاضیةِ بتحویلِ الکِیانِ إلى أداةٍ للاستحواذِ على جمیعِ المواردِ الطبیعیّةِ لهذهِ المنطقة واستثمارِها فی الصّراعاتِ العالمیّةِ الکُبرى. هدفُ هؤلاءِ تحویلُ هذا الکِیانِ إلى بوابةٍ لتصدیرِ الطاقةِ من المَنطِقَة إلى بلاد الغرب، واستیراد البضائعِ والتقانةِ من الغرب إلى المنطقة. وهذا یعنی ضمانَ وجودِ المغتصبِ وجعلِ المنطقة بأجمعها تابعةً له.
والسلوکُ السفّاحُ والوقحُ لهذا الکیانِ تجاهَ المناضلینَ ناجمٌ عن الطّمعِ بتحقیقِ هذا الهدف.
هذا الواقعُ یبینُ لنا أن کلَّ ضربةٍ یُنزِلُها أی شخصٍ وأیّةُ مجموعةٍ بهذا الکیان، إنّما هی خدمةٌ للمَنطِقَة بأجمعها، بل لکلِّ الإنسانیّة.
لا ریبَ فی أن أحلام الصهاینة والأمریکیّین هذه إنّما هی محضُ أوهامٍ مستحیلة. فالکیانُ لیس إلّا تلکَ الشجرةَ الخبیثةَ التی اجتُثَّت من فوقِ الأرض، وقد صدَقَ قولُهُ تعالى {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} (إبراهیم، شطر من الآیة 26).
هذا الکیانُ الخبیث، بلا جذور، ومزیّفٌ ومتزعزع، وقد أبقى نفسه قائمًا بصعوبةٍ عبرَ ضخّ أمریکا الدعم له، ولن یُکتبَ له البقاءُ بإذن الله تعالى. والدلیلُ الواضحُ على ذلکَ أنّه أنفق ملیارات الدولارات فی غزّةَ ولبنانَ منذُ عام، وأُغدِقَت علیهِ المساعداتُ المختلفةُ من أمریکا وعددٍ من الدولِ الغربیة، وقد مُنیَ بالهزیمة فی مواجهة بِضعة آلاف من المکافحینَ والمجاهدین فی سبیل الله المحاصرینَ الممنوعینَ من أیّ مساعدةٍ خارجیّة، وکانَ إنجازَهُمُ الوحیدُ قصفَ البیوتِ والمدارسِ والمستشفیاتِ ومراکزَ تجمّعِ المدنیّین.
والیوم فإنّ العِصابَةَ الصهیونیّة المجرمة أنفُسَهُم قد توصّلوا أیضًا إلى هذه النتیجةِ وهی أنّهم لن یحقّقوا النّصرَ أبدًا على حماس وحزب الله.
یا أهلنا المقاومینَ فی لبنانَ وفلسطین! أیها المناضلونَ الشُّجعان! أیها الشعبُ الصبورُ الوفی! هذهِ الشّهادات، وهذهِ الدّماءُ المَسفوکة، لا تُزعزعُ عَزیمَتَکُم، بل تَزیدُکُم ثباتًا. فی إیرانَ الإسلامیّة، خلالَ ثلاثةِ أشهرٍ من صَیف 1981، جرى اغتیالُ العشراتِ من شخصیّاتِنا البارزةِ والممیّزةِ، ومِنهُم شخصیّةٌ عَظیمَةٌ مثلُ السیّد محمد بهشتی، ورَئیسُ جُمهوریّةٍ مثلُ رجائی، ورئیسُ وزراءٍ مثلُ باهنر، واغتیلَ علماءٌ مثلُ آیة الله مدنی وقدوسی وهاشمی نجاد وأمثالهم، وکان کلُّ واحدٍ منهم من أعمدَة الثورة على المُستَوى المحلّی أو الوطنیّ، ولم یَکُن فقدانُهُم هیّنًا، لکنَّ مسیرةَ الثّورة لم تتوقف ولم تتراجع، بل تسارَعَت.
والیوم، فإنّ المقاومةَ فی المنطقة لن تتراجعَ بشهادة رجالِها، والنّصرُ سیکونُ حلیفَ المقاومة. المقاومةُ فی غزّةَ حیّرتِ العالم، وأعزّت الإسلام. لقد تلقّى الإسلامُ فی غزّةَ بصدره کلَّ أنواع الخُبث والشرّ. وما مِن إنسانٍ لا یُحَیّی هذا الصّمود، ولا یَلعنُ عَدُوَّها السفّاحَ والدّمَوِیّ.
لقد أوصلَ طوفانُ الأقصى وعامٌ من المقاومةِ فی غزّةَ ولُبنان، هذا الکیانَ الغاصِبَ إلى أن یکونَ هاجسَهُ الأهمَّ حفظ وُجودِه، وهو الهاجسُ نفسُهُ الذی کانَ یُسَاورُ هذا الکیانَ فی السنوات الأولى لوِلادَته المَشؤومة، وهذا یعنی أنّ جهادَ رجالِ فلسطین ولبنان قَد أعاد الکیانَ الصهیونیَّ سَبعینَ سنةً إلى الوراء.
العاملُ الأساسیُّ للحروبِ وانعدامِ الأمن والتخلّفِ فی هذهِ المَنطِقَةِ هوَ وجودُ الکیانِ الصَّهیونیِّ وَحُضورُ الدُّولِ التی تدّعی أنها تَسعى إلى إحلالِ الأمنِ والسّلامِ فی المَنطِقَة. فالمشکلةُ الأساسُ فی المنطقة هیَ تَدَخل الأجانبِ فیها. دولُ المَنطقة قادِرةٌ على إحلالِ الأمنِ والسلامِ فیها. وتحقیقُ هذا الهدف العظیم والمُنقذ للشّعوب یَستَلزِمُ بَذلَ جُهود شُعوبِها وحُکوماتِها.
وإنّ اللهَ مع السّائرینَ على هذا الدّرب، {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ} (الحج، 39).
سلامُ الله على القائد الشهید نصرِالله، وعلى البَطَل الشهید هَنِیَّة، وعلى القائد المُفتَخَر الفَریق قاسم سُلَیمانی.